الهُدَىٰ والإنابة،….
ــــــــــــــ كيف نهتدي!؟
لنتعلم ما الهُدَىٰ ومكانتها ومن المهتدي ومن أين يأتينا الهُدَىٰ!
الهُدَىٰ أمرٌ عظيم! ما أنزل اللّٰه الكتاب إلا ليهدينا! قالَ اللّٰه في سورة سبأ ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ((وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَـــــبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي)) إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ 50]
وقال في هذه السورة ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ))﴾ [سبأ 24]
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ((وَهُدًى)) وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل 64]
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ ((اهْتَدَىٰ)) فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الزمر 41]
نقرأ يومياً علىٰ الأقل في صلواتنا سبعةَ عشرَ مرةً فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني وهي أم القُــرآن وأعظم سورة نزلت؛ ولا نجد فيها سوى دعاء واحد – ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾! – ((اهْدِنَا)) فالدعاء كان للهُدَىٰ فقط؛ وكأن اللّٰه لا يريد فيها سوى أن يهدينا لننجوا ونفوز؛.
فــبعد هذا الدعاء في الفاتحة، تفتح سورة البقرة؛ لتجد إجابة ربك علىٰ دعائك ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ؛ ((فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ))﴾! ثم تتوالى آيات القُــرآن،.. كلها علىٰ هذا الهُدَىٰ!
حتى يختم القُــرآن بـ((ـرب)) الناس، الذي يريد لعباده الهُدَىٰ، فجعلهم يستعيذون من وساوس الجن والناس،. لأن الذين استحقوا الضلالة (أي الناس) لن يهدوك للهُدَىٰ! فلن تهتديَ إلا بِرَبِّ النَّاسِ؛ مَلِكِ النَّاسِ؛ إِلَهِ النَّاسِ،. وليس بالناس!
ــــــــــــــ لا أحد (يستحق) الهُدَىٰ! لماذا؟
الناس فريقان،. لا ثالث لهما،. ﴿..فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى 7]
قال اللّٰه عن هذين الفريقين،. ﴿((فَرِيقًا هَدَىٰ؛ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)) إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ((وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ))﴾ [اﻷعراف 30]
الأول (فَرِيقًا هَدَىٰ)،. والآخر (وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)
لاحظ: الفريق ((الآخر)) أضلّه اللّٰه بحق واستحقاق،.. هو يستحقها؛ قال فيهم ﴿..وَفَرِيقًا ((حَقَّ)) عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ..﴾، أي (يستاهل) هذه الضلالة، يستحقها.
أما الفريق الأول؛ الذي هداه اللّٰه،. لم يكن -يستحق- هذه الهداية،. فقال اللّٰه،. ﴿فَرِيقًا هَدَىٰ..﴾، ولم يذكر كلمةُ (حقَّ) كما قال في الفريق الضال، فهذه ليست كتلك،. فالهدَاية ليست استحقاقاً!
تفهم من هذا أنه لن تجد أحداً ((يستحق)) الهداية لجهد بذله أو زيادة عمل، أو إخلاص أو طاعة فبالتالي استحق الهداية، لا،.. بل الهدايةُ من اللّٰه وحده، (يهديك) في الدنيا إِنْ شٰاْءَ أن يهديك، ثم على إثرها يدخلك الجنة،.
قالَ اْللّٰه ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ((فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ)) فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ((إِنْ تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ)) وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [النحل 36 ــ 37]
هي نفسها ((استحقاق الضلالة)) تكررت هنا،. ثم أتبعها اللّٰه بأن الهُدَىٰ لا يأتي إلا منه هو وحده،.
ــــــــــــ ولكن،… كيف نصل نحن إلىٰ الهُدَىٰ؟ كيف نهتدي؟!
ندعوا اللّٰه أن ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ وَالهُدَىٰ إلى “صراط اللّٰه المستقيم” لا يكون إلا بمشيئة اللّٰه وحده! قالَ اْللّٰه،. ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [[يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ]] إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة 142]
وقال ﴿..فَـ((ـهَدَى اللَّهُ)) الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِه((ِ وَاللَّهُ يَهْدِي [[مَنْ يَشَاءُ]] إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))﴾ [البقرة 213]
فبالتالي؛ هي وحدها مشيئته وإذنُهُ وكل شيءٍ بأمره, هو القائل:
﴿..لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ..﴾ [الروم 4]
﴿..بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا..﴾ [الرعد 31]
﴿..وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ..﴾ [هود 123]
﴿..وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ..﴾ [يوسف 21]
﴿..إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [بَالِغٌ أَمْرَهُ]..﴾ [الطلاق 3]
ولو قال قائل أن القُــرآن وحده يكفي لأن اللّٰه قال عنه ((فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) نقول كذلك قال اللّٰه،. ﴿لَقَدْ ((أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)) وَاللَّهُ يَهْدِي [[مَنْ يَشَاءُ]] إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))﴾ [النور 46]
فالقُـرآن يهدي؛ هذا صحيح؛ كما قال اللّٰه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ..﴾ [اﻹسراء 9]
فهدايتك تكون بالقرآن، صحيح؛ ولكن هذا تحت مشيئة اللّٰه،. فلو لم يشأ الملكُ المليكُ المقتدر نفسه أن يهديك، فلن تُهدى، لا بالقُـرآن ولا بغيره! فكل شيءٍ بأمره!
فقد تتمسك بالقرآن والسنة معاً، وتحسب نفسك علىٰ هُدَىٰ ولست علىٰ هُدَىٰ ﴿..وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾،.
ــــــ الهُدَىٰ غيبٌ،.
لا تعلم أأنت علىٰ هُدَىًٰ أم لا،. ولا أنا، لا أحد يعلم إلا اللّٰه، ولا تستطيع الجزم به، قد تكون علىٰ ضلالة وتحسب أنك علىٰ علمٍ وهُدَىٰ! قالَ اْللّٰه،. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ((وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ))..﴾ [الجاثية : 23],.. وقال،. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِـ((ـالْمُهْتَدِينَ))﴾ [اﻷنعام 117]
الأمر خطير،. فلو كنت علىٰ ضلالة،. سيعجبك عملك،. ولن تعرف أساساً أنك علىٰ ضلالة،. ذلك أنك لن تشعر بها،. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ((وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ))﴾ [البقرة 11 ــ 12]
وقبلها قال،. ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ((وَمَا يَشْعُرُونَ))﴾ [البقرة 9]
نفى اللّٰه عنهم الشعور مرتين،. وبعدها قال ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ((وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ))﴾ [البقرة 13]
وتمضي في سبيلك،. تدعوا الناس لما تظنه هُدَىٰ،. ولا تشعر أنك تضل نفسك وتضلّهم معك،. ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ((وَمَا يَشْعُرُونَ))﴾ [آل عمران 69]
قد تتزيّن لك أعمالك، فلن ترى الوحل الذي أنت واقع فيه،. بل ترى الوحل طيب ومريح،. زُيّنت لك وأنت لا تشعر،. ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ((كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ ((وَمَا يَشْعُرُونَ))﴾ [اﻷنعام 122 ــ 123]
قد تتزين لك أعمالك، فتراها حسنة،. وتظنها هدى وليست كذلك،. ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ((فَرَآهُ حَسَنًا)) فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ..﴾ [فاطر 8]
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ))﴾ [النمل 24]
قالَ اْللّٰه،. ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ ((يَعْمَهُونَ))﴾ [اﻷعراف 186]،. العمَه أشد من العمى،. العمى في البصر، لكن العمَهْ في البصيرة!
فلا يعلم المهتدين سوى اللّٰه،. ولا يهدي سوى اللّٰه؛ قال رسُول اللّه ﷺ ــ ونسمعها دائماً في الخطب ــ ﴿مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له﴾! فالأمر كله للّٰه،. ﴿..قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ..﴾ [آل عمران 154]
وانظر كيف جعَل اللهُ الهُدَىٰ منه هو حصراً وليس من عند غيره!
❒ ﴿..قُلْ إِنَّ الْهُدَى ((هُدَى اللَّهِ))﴾ [آل عمران 73]
❒ ﴿..قُلْ إِنَّ ((هُدَى اللَّهِ)) هُوَ الْهُدَى﴾ [البقرة 120 / الأنعام 71]
❒ ﴿..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ((مِنِّي)) هُدًى..﴾ [البقرة 38]
❒ ﴿فَمَنِ اتَّبَع ((هُدَايَ)) فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ [طه 23]
❒ ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ ((هُدًى مِنَ اللَّهِ))﴾ [القصص 50]
❒ ﴿أُولَٰئِكَ عَلَىٰ ((هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ)) وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة 5 / لقمان 5]
فالموضوع خطير! قد تحسب أنك علىٰ هُدَىٰ ولست علىٰ هُدَىٰ! خاصة أن ((الْهُدَىٰ)) تحديداً لا يملكه أحدٌ إلا اللّه؛ قال الملك -تَبَاّرَكَ اْسْمُهُ- ﴿…وَلَقَدْ جَاءَهُمْ ((مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ))﴾ [النجم : 23]
وقال ــ وركز علىٰ الحصر وفي القراءات ــ ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؟ ((قُلِ اللَّهُ يَهْدِي)) لِلْحَقِّ! أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا ((يَهِدِّي)) ((يَهَدِّي)) ((يَهْدِي)) إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ؟ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس : 35]
فـلا تظن أنك ستجد الهُدَىٰ في جامعة أو معهد! أو عند شيخٍ أو عالم!،. هو فقط من عند الله ولا يأتينا الهُدَىٰ إلا من اللّه،. قال لآدم حين أنزله للدنيا،. ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ((مِنِّي)) هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة 38]،.
ــــــ فيكون السؤال المهم الآن؛ كيف نصل هذا الهُدَىٰ؟ خاصةً إذا علمنا أن الهُدَى من عند الله فقط، قال اللّٰه،. ﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ ((يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ)) مِنْ عِبَادِهِ..﴾ [اﻷنعام 88]،. ﴿..ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ ((مَنْ يَشَاءُ)) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ ((مِنْ هَادٍ))﴾ [الزمر 23]،. يعني لن ينفعك شيخٌ ولا كتابٌ ولا حتى نبيٌ ليهديك!
فلم يستطع النبي أن يهدي عمه فمات كافراً، قال اللّٰه له ليعلمه أن الهُدَىٰ منه حصراً،. ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ((اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص 56]
وقال،. ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ ((فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي)) مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [النحل 37]
رغم أن اللّٰه قال عن النّبي ﷺ،. ﴿..وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا..﴾ [النور 54]،. فقرن الهدى بطاعة النّبي ﷺ،. لكن،…. لن تستطيع طاعة النّبي ﷺ إلا بإذن اللّٰه وحده،. عدنا لنقطة البداية،. قالَ اْللّٰه،. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا ((لِيُطَاعَ بِـإِذْنِ اللَّهِ))…﴾ [النساء 64] فطاعة الرَّسـوْل ﷺ التي تهديك،. كذلك محصورة ومقيدة بإذن اللّٰه وحده،.
قال الله،. ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ((وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))..﴾ [البقرة 272]،. فلو قلتَ أن كلمة ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ تعود علىٰ الشخص،. الإنسان هو الذي يشاء الهداية أو لا يشاؤها!! نقول لا،. الذي يشاء أو لا يشاء هو اللّٰه وحده، اقرأ هذه الآية لتعي تلك،. ﴿إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ((فَمَن شَاءَ)) اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ((وَمَا تَشَاءُونَ)) إِلَّا أَن [[يَشَاءَ اللهُ]] إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ [[مَن يَشَاءُ]] فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان 28 ــ 30]
انتهى الأمر،. كله بيد اللّٰه، قال الله،. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ..﴾،. وقال،. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ((وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل 93]،. وقال،. ﴿..نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ((يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ ((مَنْ يَشَاءُ))..﴾ [النور 35]،. وقال،. ﴿..كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ((وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))..﴾ [المدثر 31]،. وقال،. ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ((وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ))﴾ [الحج 16]
فــــالهُدَىٰ إرادة اللّٰه وحده،.. ومشيئة الله وحده!
قد تصنع عملاً تحسبه حسناً وهو ليس بحسن! ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ ((يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))﴾ [الكهف 103 ــ 104]،. وقد ترى أعمالك حسنة وهي ضلالةٌ ولكنها زينت لك،. ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ((فَرَآهُ حَسَنًا)) فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ((وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))..﴾ [فاطر 8]
ــــــ فمــا الحل إذاً لنضمن الهُدَىٰ؟!،. إن كان بمشيئة اللّٰه وإرادته وحده، فكيف نضمن الهُدَىٰ؟ وما السبيل إليه!؟ وكيف نعرف أننا علىٰ الهُدَىٰ الذي يرضاه اللّٰه؟ وليست زينة قد زينت لنا فغشي الهُدَىٰ والحق علينا،.
ــــــ الحل عند اللّٰه هي بــ ﴿الإِنَـــابَة﴾ إليه!
جعل اللّٰه الناس كلهم تحت مشيئته،. إن شاء هداهم وإن شاء أضَلَّهم،. ولكنه استثنى من الناس أقواماً،. قال أنه سيهديهم بشرط واحد، إن هم أنابوا! وقولُه حقٌ، ووعدُه صدقٌ،. قال،. ﴿..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾،. ﴿..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾
قال اللّٰه ــ ولاحظ كيف يستثني المنيب ــ ﴿..اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ((وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ))﴾ [الشورى 13]
وهنا أيضاً استثنى المنيب بينما جعل بقية الناس تحت مشيئته ﴿..قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ((وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ))﴾ [الرعد 27]
فتلاحظ أن المنيب مستثنىً من بقية الناس، فعموم الناس تحت مشيئة اللّٰه (قد يهديهم؛ وقد يضلهم) إلا المنيب! المنيب موعودٌ بالهُدَىٰ!
ــــــــــــ ولكن؛ ما هي الإنابة؟ وهل هي التوبة كما يظن الناس؟ لا.
التوبة شيء، والإنابة شيء آخر،. التوبة الاقلاع عن الذنب، ومعناها معلوم، أما الإنابة فهي من أناب ينيب،. [نيابةً عن]؛ أو [نيابةً إِلىٰ]؛ فــهُما [نائبٌ] و [منيبٌ]،. والإنابة أن تجعل غيرك يقوم ويقضي عنك ويتصرف عنك، فهو ينوبك،. وأنت قد أنبت إليه،.
ونحن نقول: (نائب) الحاكم (ونائب) المدير (والنائب) العام، (والنيابة) العامة، لكن متىٰ يقال لمن هو دون المدير : نائب المدير؟
حين يغيب المدير ويأتي شخص آخر ينوب عنه ويقضي عنه ويتصرف عنه؛ هذا نائب عن المدير، أناب المدير له أمره، فتركه يتصرف فيه، فيكون المدير وكأنه اتكل على الآخر! وأناب إليه أمره كله!،. ليتولى عنه أموره ويقضيها عنه،.
الإنابة ليست التوبة؛ ولا التقوى؛ ولا الاستغفار؛ الإنابة أعلى من هذا كله،. الإنابةً كالتوكل،. الإنابة تسليمٌ تامٌ للّٰه،. وترك الأمور للّٰه، ليهديك لما يرضاه هو ويريده هو،. قال صالح ﷺ،. ﴿..وَمَا تَوْفِيقِي ((إِلَّا بِاللَّهِ؛ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ؛ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))﴾!،. وقال الله عن إبراهيم،. ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ ((مُنِيبٌ))﴾،. قال عنه مُنِيبٌ!
فلنتعلم كيف ننيب كما يفعل الأنبياء،. لاحظ كيف يترك إبراهيم النبيُّ الأمرَ للّٰه ولمشيئة اللّٰه ليهديه! ولا يجزم هو بنفسه على شيء،. بل دائماً يستثني ويرد الأمر للّٰه، كمن اعطاه الخيط والمخيط تتصرف كيف تشاء،. وهذا ليس في الشر فقط، إنما حتى في الخير،. ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ ((وَقَدْ هَدَانِ)) وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ((إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً)) وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [اﻷنعام 80]
هذه قمة الإنابة، أن تدَعَ كلّ شيءٍ للّٰه يحكم بما يشاءُ هو، وليس بما تشاءُ أنتَ! ولو كان الكلام عن الشرك.
تخيّل، نبيّ موقنٌ بربه ودينه،. ويعلم ما هم عليه من الشرك، ثم يعلق نفسه بمشيئة اللّٰه،. ((إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً))! أي لو شاء ﴿اللّٰه﴾ أن أكون علىٰ ملتكم سأفعل،. طالما هي مشيئة اللّٰه،. فأنا تحت تصرف وتدبير الله وقضائه،. هو مالك أمري،. كل الأمر له،.
كذلك النّبي شعيب ﷺ فعل كما فعل إبراهيم،. قال لقومه،. ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ ((نَجَّانَا اللَّهُ)) مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا ((إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا)) وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ((عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا)) رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [اﻷعراف 89]
قال قبلها لقومه،. ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا ((حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ)) بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [اﻷعراف : 87]
هذا لتعلم أن ليس لنا من الأمر شيءٌ، كل الأمر بيد اللّٰه ﴿..إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [الحج 14] ﴿..إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج 18]
اعلم، أنّ من أبغض الأمور إلى اللّٰه الشرك، ومن أبغض الشرك عند اللّٰه أن تقول أنه اتخذ ولداً! ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم 88 ـ 92]
ومع هذا كله (لتعلم أنه ليس لكَ من الأمر شيءٌ) قال اللّٰه في الزخرف ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف 81]،. أي،. كل الأمر للّٰه،. ولو أمرك بما يبغضه هو، فعليك فعله،.
فليس لك أن تختار كيف تريد ربك، هو يحكم، هو يشاء، هو يريد، هو يقول، هو يقضي! ولو قال لك اسجد لفلان فاسجد، ولا تقل هذا شرك، الشرك ما يقول هو أنه شرك، وليس ما تظنه أنت! لهذا سجدت الملائكة لآدم، هذه مشيئة اللّٰه وإرادته!
غالباً ما تجد الإنابة مقرونةٌ بالهُدَىٰ والحق، وذلك بترك الأمر للّٰه يفعل ما يريد! قال في سورة الزمر،. ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ((وَأَنَابُوا)) إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ ((هَدَاهُمُ اللَّهُ)) وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر 17 ـ 18]
فالإنابة هي السبيل الوحيد للهُدَىٰ! قالَ اللّٰه ﴿..وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾، وقال ﴿..وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ فمن أناب فقد هُديَ.
وَالهُدَىٰ متحقق لمن ذهب للّٰه جعله يدبر أمره،.. كإبراهيم ﷺ،. ﴿وَقَالَ إِنِّي ((ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي)) سَيَهْدِينِي﴾ [الصافات 99] لاحظ، لم يقل سأسئله الهداية،. بل جزم أنه سيهديه!! ذلك بأنه ذاهبٌ إِلىٰ اللّٰه،.
وغالبا ما تكون الإنابة حين تفتن! ﴿..وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا ((فَتَنَّاهُ)) فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا ((وَأَنَابَ))﴾ [ص 24]،. فحينَ تُفتَن في أمرٍ ما؛ لا تعلم في أيّهم الصواب وَالهُدَىٰ ورضى اللّٰه، تنيب إليه؛ مثلاً في مسألة شرعية اختلفت مع أخيك فيها! أنب إلى اللّٰه ليهديك فيها!
حين تقرأ آيةً لم تفهمها، تنيبُ إلى اللّٰه ليهديك إلى فهمها،. حين تنقب في مسألةٍ اختلفوا حولها،. (أحكام صلاة السفر ومسافتها مثلاً)،. ولا تعلم الحق مع أي فريق،. أنب إِلىٰ اللّٰه،. دعه هو يبين لك،.
حين تسمع حكماً، ثم تسمع خلافه فلا تعلم أين الهُدَىٰ،. (كحكم لبس النقاب مثلاً)،. تنيب إلى اللّٰه ليهديك فيها.
لاحظ؛ متى جائت الإنابة،. ﴿وَلَقَدْ ((فَتَنَّا)) سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ ((أَنَابَ))﴾ [ص 34]
حين لا تعرف الحق من الباطل؛ لا تعتمد علىٰ عقلك ليهديك ولا تظن أن الناس سيهدونك،. بل أنب لربك وسله الهُدَىٰ ليهديك،.
إذا اختلفت مع الناس وتجادلت معهم في أي مسألة، لا تتمسك برأيك مهما كان معك من الأدلة، لا تلجأ لنفسك، إلجأ إلى الله! أنب إلى اللّٰه مباشرةً! اسمع ماذا قال اللّٰه،. ﴿وَمَا ((اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ)) مِنْ شَيْءٍ ((فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ؛ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي؛ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ؛ [وَإِلَيْهِ أُنِيبُ]))﴾ [الشورى 10]
فالإنابةٰ تَركُ الأمر للّٰه، وتوكلٌ عليه في الأمور كلها عامةً، طلباً للهداية، عند الاختلاف والفتنة.
قالَ اللّٰه،. ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ((ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ))..﴾ [الزمر 8]،. وقال،. ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ((ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ))..﴾ [الروم 33]
فالإنابة دعاءٌ وتوكلٌ للهداية، وتسليمٌ تام للّٰه، تترك أمرك كلّه له ليقضي هو بما يشاء،. ﴿((وَأَنِيبُوا)) إِلَى رَبِّكُمْ ((وَأَسْلِمُوا لَهُ)) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [الزمر 54]،. فالإنابة أن تستسلم لله،. وتسلمه كل أمرك،.
ــــــــــــــ الآن السؤال المهم،.. كيف تنيب إلى الله؟
بكل يسر؛ أن تسلم له أمرك،. تتركه هو يتولى أمر هدايتك،. وللّٰه المثل الأعلى، كمن يترك أباه (ينوب) عنه فيختار عنه ما يشاء، ولا يتدخل في حكمه، ويكون على ثقة بقضائه أنه لمصلحته مهما بدى له عكس ذلك،. ولو كان خلاف هواه،. هكذا تنيب إلى ربك،. لاحظ،. الإنابة والتسليم للّٰه،. ﴿((وَأَنِيبُوا)) إِلَى رَبِّكُمْ ((وَأَسْلِمُوا لَهُ))..﴾ [الزمر 54]
انظر للنّبي ﷺ كيف يرد أمره كله للّٰه، في كل شيءٍ، وكيف يذكر الإنابة بين كلمات التسليم التام لله!
عن طاووس، قال: سمعت عبدالله بن عباس يقول – كان النبيُّ ﷺ إذا قام من الليلِ يتهجَّد قال ﴿اللهم لك الحمدُ، أنت نورُ السمواتِ والأرضِ ومن فيهن، ولك الحمدُ، أنت قيِّمُ السمواتِ والأرضِ ومن فيهن، ولك الحمدُ، أنت الحقُّ، ووعدُك حقٌّ، وقولُك حقٌّ، ولقاؤك حقٌّ، والجنةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والساعةُ حقٌّ، والنبيون حقٌّ، ومحمدٌ حقٌّ، اللهم ((لك أسلمتُ))، ((وعليك توكلتُ))، ((وبك)) آمنتُ، ((وإليك أنبتُ))، ((وبك)) خاصمتُ، ((وإليك)) حاكمتُ، فاغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، ((أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ))، لا إله إلا أنت، أو: لا إله غيرُك﴾ أخرجه مالك، والحميدي، وابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وأبو يعلى، وابن حبان، والطبراني، والبيهقي.
كذلك قبل النوم، كان يقول ﴿اﻟﻠﻬﻢ ((ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻭﺟﻬﺖ ﻭﺟﻬﻲ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﻓﻮﺿﺖ ﺃﻣﺮﻱ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﺃﻟﺠﺄﺕ ﻇﻬﺮﻱ ﺇﻟﻴﻚ))، ﺭﻏﺒﺔ ﻭﺭﻫﺒﺔ ﺇﻟﻴﻚ، ﻻ ﻣﻨﺠﻰ، ﻭﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻣﻨﻚ ﺇﻻ ﺇﻟﻴﻚ، ﺁﻣﻨﺖ ﺑﻜﺘﺎﺑﻚ اﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻟﺖ، ﻭﻧﺒﻴﻚ اﻟﺬﻱ ﺃﺭﺳﻠﺖ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎﺕ ﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮﺓ﴾ ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻄﻴﺎﻟﺴﻲ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ، ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﻳﻌﻠﻰ، ﻭاﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭاﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ.
فاترك أمرك كله للّٰه لتنجو، لا تعتمد علىٰ عقلك واختياراتك، لا تقل هنا الحق فسأتبعه! أنت لا تعرف أين الحق، لا أنت ولا شيخك، أنب إِلىٰ اللّٰه، فإن كان هذا الحق، فسيهديك له كما وعدك، اللّٰه أعلم بالحق منا!
فمثلاً، حين تختلف مع شخص حول موضوع ما، ولو جمعت البينات والأدلة، أنب إلى اللّٰه، وسله الهداية كما تسأله الرزق والعافية!
لا تتكل علىٰ ما عندك من أدلة، قد لا تكون ثابتة، قد تكون فهمتها خطأً، ولا تعتمد على نفسك وعقلك وعلمكَ وتحسب ما تفعله هدىً فتضل،. قد يأتيك الضلال وأنت على علم،. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ((وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ)) وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً…﴾ [الجاثية 23]
كان الرَّسوْل ﷺ يدعوا كل صباحٍ ومساء خشية أن يتكل علىٰ نفسه ﴿يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغيثُ أَصْلِحْ لِي شَأْنِيَ كُلَّهُ ((وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي)) طَرْفَةَ عَيْنٍ﴾.
كن واثقاً متيقنا بأنك أن سألتَ اللّٰه سيكفيك!
﴿..وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾
﴿..وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾
﴿…وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [عِبَادَهُ]..﴾
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾
﴿..وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾
﴿..قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ((وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي)) إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾
لم يرد عن النّبي ﷺ دعاءً خاصاً للإنابة، فلك أن تدعوا بما تشاء؛ تنيب للّٰه وتسلم أمرك للّٰه وحده؛ من غير تخصيص صيغة محددة،. فيتصرف عنك ربك بعلمه ولطفه وخبرته،. هو وحده يعلم أين الهُدَىٰ،. إن أنبت إليه فسيهديك كما وعد في الآيات.
اللهم إني أنيب إليك؛ ربي! لا أملك نفسي؛ أنت تملكها؛ خذ بيدي؛ اهدني؛ لا تكلني لنفسي طرفة عينٍ؛ أنت وليي؛ اهدني، علمني، فهّمني هذه الآية، فهمني هذا الحديث، أعني علىٰ تدبر القُــرآن، علمني كتابك وسنة نبيك كما تحب وترضى،.
أنظر من فَهَّمَ سليمان؟! ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ((فَفَهَّمْنَاهَا)) سُلَيْمَانَ..﴾ [اﻷنبياء 78 ــ 79]،. فالبتالي، لن تفهم إن لم يفهّمك اللّٰه،.
الفرق واضح من اللسان بين (ينيب إلى) فلان،. و (ينيب عن) فلان،. وكلاهما ينيب،. نحن ننيب إلى اللّٰه،. لكن الله لا ينيب إلينا؛ كذلك الفرق في التوبة،. نحن نتوب، اللّٰه يتوب؛ نحن نتوب ((إلى)) اللّٰه،. واللّٰه يتوب ((علينا)) ولا يتوب ((إلينا))!
فأنب إلى اللّٰه،. وسله الهداية؛ يهديك هو؛ هو وعدَ بهذا!
﴿..وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [اﻷحزاب : 4]
ـــــــــــــ فضل الإنابة :
روي عن النّبي ﷺ بسند فيه مقال ﴿لا تمنَّوا الموتَ فإنَّ هولَ المَطْلَعِ شديدٌ وإنَّ مِنَ السَّعادةِ أن يطولَ عُمُرُ العبدِ ويرزُقَه اللهُ الإنابةَ﴾ مجمع الزوائد – 10/206.
وإن لم يصح السند.، فيكفينا أن الإنابة عملُ الأنبياء والصالحين،.
❒ ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ((وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))﴾
❒ ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً ((وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ))﴾
❒ ﴿((مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)) وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
وقد أمرنا اللّٰه باتباع سبيل من أناب إليه قال ﴿..وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ ((أَنَابَ إِلَيَّ))..﴾¹ [لقمان 15]
فمن رأيته في كلّ أمره ينيب إلى اللّٰه، ويسأل اللّٰه أن لا يضله، لا يقضي في أمرٍ إلا بعد إنابة، فاتبع سبيله! أمرَ اللّٰه باتباع سبيله! ﴿..وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ ((أَنَابَ إِلَيَّ))..﴾،. وسبيله الإنابة، أي أنب إلى الله كما أناب هو إلى الله،. هذا سبيله،.
ـــــ ملاحظة : لا تلتفت لما يقوله الناس بلا بينة ولا برهان في معنى الإنابة،. الكل شبه متفق أن معنى التوبة هو: الرجوع للّٰه،. والأوبة هي: الرجوع اللّٰه، والإنابة هي: الرجوع للّٰه (لا فرق عندهم؟)،. سُبْحَانَ اللّه!
قالَ اللّٰه ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ ((بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ))؟ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ [[تذكّر الحديث السابق: فإن مات مات علىٰ الفطرة]] الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ((مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)) وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ((ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ)) ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم 29 ـ 33]
ــــــــ ¹ قالَ اْللّٰه،. ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ((وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)) ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان 15]
لماذا هنا في هذه الآية جاء الكلام عن الإنابة؟ ((وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ))!،. نهى الله في القُــرآن عن الشرك ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء 48] وفي نفس الوقت أمر بطاعة الوالدين، ودائماً كان يقرنهما بــعبادة اللّٰه،. قال،. ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ((لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْن إِحْسَانًا))..﴾ [البقرة 83]،. وقال،. ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ ((وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))..﴾ [النساء 36]،. وقال،. ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ((أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))..﴾ [اﻷنعام 151]،. وقال،. ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا وَقَضَىٰ رَبُّكَ ((أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))..﴾ [اﻹسراء 22 ـ 23]
فكما ترى؛ حيث ما ذكر الوالدين ذكر معه العبادة للّٰه وحده! فــلو جاءك والداك وأمراك بالشرك؟ ستقول كيف أصنع بهذا التناقض؟ أطيع أو لا أطيع؟ ما الحل؟
الحل بالإنابة!! فالإنابة تكون حين تُفتَن ولا تدري أين الهُدَىٰ! لهذا ذكرَ اللّٰه الإنابة بعدها!
ملاحظة جانبية : تجد في اغلب مقاطع المسلمين الجدد،. أنهم يقولون : دعوت اللّٰه بأن يريني الدين الحق فهديت للاسلام دون شعور، في الحقيقة هذه التي فعلوها هي الإنابة،. أن تترك الأمر للّٰه، وتطلع انت منها،. ترفع يدك مستسلماً حتّىٰ يبصرك الله الطريق الحق بنفسه،. فقد يريك ما لم تكن تراه،. وقد يهديك لفهم الآية علىٰ وجهها الذي يريده اللّٰه،. وقد يفتح لك آفاقاً لم تكن لتبلغها بنفسك،. فقد ترى رؤيا، أو يراها أحدهم لك،. وقد يرشدك إلى من هو أعلم منك فيعلمك، وقد يهديك لحديث ما، وقد وقد وقد،.. ولا يعلم جنود ربك إلا هو،. ولولا خشية الإطالة، لسردت لكم قصصا عجيبة حول الإنابة وما يفعل اللّٰه بالمنيب،. فالله لا يترك عبداً ضعيفاً من عباده يسأله ما يرضيه هو،. وأين الطريق الذي يحبه هو،.
بل حين تسأل الله وتنيب إليه، (أي تترك الأمر له)، ستكون لك حجة بين يديه يوم القيامة لو حاسبك،. ستقول : ربي، أنا لا أعلم،. (قد تركت الأمر لك) لتأخذ بيدي وتهديني،. أنت مولاي،. فأنت هديتني لهذا حين سألتك، هذا ما تريده أنت،. فلهذا،. لا يُلام من أناب إلى اللّٰه، وجعله هو مولاه،. وهو محفوظ مُصان،. فأمره لم يكن بيده هو ليُحاسب عليه، بل كان بيد الله،. وما أعظمها من نعمة،.
ــــــ الفرق بين الانابة والتوكل والاستخارة!
ــ الإنابة أشبه ما تكون بالتوكّل،. فأنت حين تنيب للّٰه، توكله أمرك كله،. فهو يتولاك، ويدلك على الهدى،. والفرق بينها وبين الإنابة أن الإنابة تكون الدين، فيما يهديك وينفعك في الآخرة، أما التوكل فهو في خير الدنيا والرزق والمال عموماً، ولا يستلزم الهُدَىٰ للآخرة،.
ــ الفرق التوكل وبين الإستخارة،. أنك في الاستخارة تختار ((أنت)) ما تريد، فإن هممتَ بالشيء الذي ((تريده أنت)) تستخير بعد أن اخترته، فإن كان ((ما اخترته أنت)) خيراً يسره اللّٰه لك، وإن كان ((ما اخترته أنت)) شراً صرفه عنك، أما الإنابة فأنت لا تختار؛ بل ((اللّه)) الذي يختار، فيهديك لما يريده ((هو)) ويحبه! وقد لا يخطر هذا الشيء في بالك أصلاً!
مثال: عندك مال، وتريد أن تتاجر به أو تتزوج به، فتختار أحدهما وتصلي الاستخارة! فييسر لك اللّٰه خير الأمرين اللذَين (اخترتهما أنت مسبقاً)، أما أنك لو توكلت فيها فقد يهديك اللّٰه لأمرٍ آخر (يختاره هو) لم يكن في ذهنك،. خيرٌ لك من التجارة والزواج! هذا التوكل، أما الإنابة فهي محصورة بهداية الدين فقط، أما في أمور دنياك، فتتوكل على الله،. يرشدك ربك لأهدى السبل، فهو أعلم بنا منا! ولن يضلنا إن سألناه،. ولن يتركنا إن سلمناه أمرنا،.
رَبَنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا! ﴿ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾،.
بكيبورد، محسن الغيثي،.